شهدت وديعة طرحتها إحدى الجهات الحكومية في مزاد مصرفي قبل أيام لأجل سنة، منافسة «حامية» بين 10 بنوك، للدرجة التي اتسع فيها الهامش بين فائدة الجهة الفائزة بالوديعة وأدنى سعر مقدّم بواقع يتجاوز الضعف، ما أثار حيرة واسعة، لاسيما أن أعلى فائدة قُدّمت بالمزاد تُقارب الأسعار التي تمنحها بعض البنوك على قروضها لبعض عملائها، أو ربما تزيد بهامش قريب، ما يرفع عليها حسبة كلفة الأموال.
وفي التفاصيل، كشفت مصادر مطلعة لـ«الراي» أن الهيئة العامة للصناعة، وضمن آليات عملها في توظيف أموالها غير المستغلة استثمارياً في البنوك بأفضل سعر ممكن، طرحت قبل أيام في مزاد فتحته بين البنوك وديعة بقيمة 60 مليون دينار، لأجل 12 شهراً، وطلبت من كل بنك تقديم عرضه للفائدة التي تُناسبه، ليكون الفائز في النهاية مَنْ يُقدّم أعلى معدل.
فائدة مرتفعة
لكن المفاجأة أن 3 بنوك تسابقت إلى وديعة «هيئة الصناعة» بفائدة مرتفعة عن المعدلات الدارجة في السوق وبهامش كبير، حيث قدمت أسعاراً متقاربة تتراوح بين 2.58 في المئة، و2.67 في المئة، بينما جاء أدنى سعر مقدّم بواقع 1.25 في المئة، وأعلى منه مباشرة فائدة مقدمة بـ1.5 في المئة، علماً أن الجهة الفائزة بالوديعة بنك تقليدي. وغاب عن المنافسة بنكان محليان، فيما شارك في المزاد فرع لبنك خارجي، حيث قدّم سعراً بـ1.75 في المئة.
وعكس مزاد وديعة «هيئة الصناعة» سباقاً مصرفياً متنامياً نحو الودائع المستقرة بالدينار، لاسيما إذا علم أن 3 بنوك فقط قدّمت سعراً للوديعة بفائدة تقل عن 2 في المئة، ما فسّره البعض بأن تصرفها في هذا الخصوص يستقيم مع منحنى الفائدة المتداول في السوق ومن ثم فإنها لا ترغب برفع تكلفة الأموال عليها.
وأرجع البعض السبب لعدم حاجتها الملحة حالياً لهذه الأموال مثل البنوك التي قرّرت تقديم سعر استثنائي، لحاجتها الكبيرة لهذه النوعية من الأموال المستقرة في ترتيب سلّم استحقاقاتها، حيث تستخدم مثل هذه الودائع بترتيب صافي نسب التمويل الثابتة (NSFR)، والتي تتعلّق بالودائع التي تزيد أعمارها على سنة، إذ يبدو أن هذه البنوك تواجه تحديات موقتة في استيفاء نسب السيولة المطلوبة من «المركزي» على المدى الطويل.
تنظيم نسب
وهذا يعني مصرفياً أن الأسعار العالية المقدمة وتباينها تُظهر أن كل بنك قدّم السعر الذي يُناسب احتياجاته من هذه الوديعة، وحسب توقيت طرحها، وحجمها وتبويبها لناحية الجهة المستثمرة، وليس وفقاً للأسعار المتداولة في السوق.
ولعل ما يُعزّز هذا الرأي أن البنوك الـ7 سجلت في تنافسها على وديعة «هيئة الصناعة» مستويات فائدة قياسية بالنظر إلى المعدلات المتداولة، منذ أن قرّر مجلس إدارة بنك الكويت المركزي خفض سعر الخصم إلى 1.5 في المئة بمارس 2020.
مراكز سيولة
وإلى ذلك، يتدافع السؤال حول الأسباب التي تجعل المنافسة على ودائع الدينار، أقوى من تحركات البنوك لاستقطاب الدولار وهامش فائدته أعلى بمعدل ملموس؟ عموماً، لا تعني مواجهة بعض المصارف لضغوط في تنظيم نسب سيولتها، أنها تُعاني نقص أموال على المدى الطويل، أو حتى المتوسط.
وأشارت المصادر إلى أن جميع البنوك المحلية تتميز بارتفاع فوائضها من السيولة، إلا أن بعضها يحتاج أحياناً لإعادة هندسة سلم استحقاقاته بودائع مستقرة، تُعزّز بطريقة احتسابها نسب التدفقات النقدية الداخلة للبنك، مقابل الخارج منه على المدى الطويل، وفقاً لمعايير «بازل»، وتعليمات «المركزي».
وأفادت بأنه نظراً للتراجع البسيط في توافر السيولة، بدأت أسعار الفائدة على الودائع المقوّمة بالدينار تدريجياً بالفعل في اتخاذ اتجاه صعودي في الأشهر القليلة الماضية بعد أن وصلت إلى أدنى مستوياتها، مرجعة ذلك لأكثر من سبب، ليس أقلها أن غالبية محفظة قروض البنوك بالعملة الوطنية، وعليه يتعيّن أن يُقابل ذلك مراكز ودائع مناسبة حسب توزيع نسب السيولة، أخذاً بالاعتبار أن الدينار مدعوم من «المركزي».
وأكدت المصادر أن جميع البنوك الكويتية تملك رساميل قوية بدعم من المتطلبات التنظيمية ولم تواجه أزمة سيولة، رغم السحوبات الممنهجة والعالية التي نفذتها المؤسسات العامة للتأمينات الاجتماعية منذ بداية 2017، والتي أدت لخفض نسبة الأموال غير المستثمرة بالمحفظة الاستثمارية للمؤسسة من 42 في المئة كما في 31 مارس 2016 إلى أقل من 2 في المئة حالياً.