أشارت صحيفة «فايننشال تايمز» إلى أن الرئيس التركي يدعم إجراءات غير تقليدية لإشاعة الاستقرار في العملة التركية، لكنها نقلت عن محللين شكوكهم في إمكان نجاح ذلك.
وأشارت الصحيفة إلى ان الرئيس أردوغان امتدح فترة الهدوء التي مرت بها الليرة التركية باعتبارها علامة على ان الاقتصاد التركي في سبيله إلى دخول «أقوى فترة في تاريخ تركيا». ولاحظت أن هذا الإعلان الجريء يأتي بعد حدوث انهيار في الليرة في نهاية العام الماضي عندما اضطر البنك المركزي إلى إجراء تخفيض حاد في أسعار الفائدة بالرغم من التضخم الجامح، مضيفة أن الرئيس التركي لطالما عارض أسعار الفائدة المرتفعة.
وتحدثت الصحيفة عن إجراءات طارئة بما فيها تدخل غير مباشر بمليارات الدولارات من البنك المركزي ساعد على تهدئة سوق العملات. ولكنها أعربت عن شكوكها في امكان استمرار استقرار العملة في ظل التضخم المتصاعد الذي بلغ في يناير نحو 50 في المئة.
وأشارت إلى أن بعض المحللين يعتقدون أن اردوغان يحاول تلمس طريقه بتخبط نحو الإعلان عن انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة قبل موعدها في يونيو 2023 بأمل الفوز بالرئاسة لخمس سنوات أخرى. ومن هؤلاء المحللين ألب كوكر مدير مكتب تركيا في شركة الاستشارات اللندنية «جي بي دبليو» الذي يرى ان «المحافظة على استقرار الأوضاع خلال فترة الحملة الانتخابية قد تكون كل ما يحتاجه أردوغان للفوز، لأن الحلول القصيرة الأمد يمكن ان تنجح سياسيا ولا ضرورة لكي تعمل لمدة طويلة لكي تحقق النجاح السياسي».
وتطرقت الصحيفة إلى أمور ينبغي أن تسير كما يرغب الرئيس التركي لكي ينجح في المحافظة على استقرار الليرة في الأشهر المقبلة. من هذه الأمور إمكان تحقيق فائض في الحساب الجاري التركي وتحويل الخلل المزمن في التوازن بين الصادرات والواردات الى فائض يخفف من الضغوط على الليرة ويوقف نزيف العملة الأجنبية إلى الخارج. وهذا يتطلب الحد من الطلب الاستهلاكي الداخلي الأمر الذي قد لا يطيقه أردوغان إذا ما أراد أن ينعش الاقتصاد قبل الانتخابات. كما انه يتطلب إيرادات سياحية قوية هذا الصيف وعدم حدوث تصعيد في التوترات بين روسيا وأوكرانيا.
بحسب الصحيفة، إن النزاع الذي اندلع بين هذين البلدين سيؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار الطاقة التي تحتل جزءا كبيرا من فاتورة واردات تركيا. ولكن أوغراس أولكو من معهد التمويل الدولي في واشنطن يتنبأ بأن تركيا ستشهد فائضا هذا العام يبلغ 4 مليارات دولار مقابل عجز بلغ 15مليارا عام 2021 و36 مليارا عام 2020 وذلك بفضل الواردات الأقل والصادرات الأعلى وانتعاش السياحة التي يقول انه يتوقع ان تستعيد عافيتها الى مستويات 2019.
وتتساءل الصحيفة عما إذا كان الأتراك سيتوقفون عن تحويل أموالهم إلى الدولار. ففي أوقات الأزمات يلجأ الأتراك إلى الاحتفاظ بمدخراتهم في حسابات بالدولار أو اليورو أو المعادن الثمينة مما يضع ضغوطا على الليرة. وتفيد بيانات البنك المركزي انه في نهاية العام الماضي كان 64 في المئة من الإيداعات في البنوك بالعملات الأجنبية أو بالمعادن الثمينة. هذا الرقم تراجع الى 60 في المئة بعد إطلاق خطة الادخار في ديسمبر التي تعد بحماية المدخرين ضد الخسارة الناجمة عن انخفاض أسعار الصرف إذا ما حولوا مدخراتهم بالدولار واليورو إلى الليرة. وحتى 14 فبراير كان قد جرى تحويل مدخرات بالعملة الأجنبية بـ 13.7 مليار دولار الى الليرة. وساعد ذلك على تعزيز قيمة الليرة وعلى تخفيض حجم المدخرات بالعملة الأجنبية بنهاية العام الماضي من 264 مليار دولار الى 251 مليار دولار.
تداعيات التضخم
هل سيستمر هذا المنحى، كما يتوقع المحللون، إذا ما تجاوز التضخم معدل 50 في المئة في الأشهر المقبلة وبقي على ذلك المستوى خلال الجزء الأكبر من العام؟ يتوقع فينيكس كالين من مصرف سوسيتيه جنرال الفرنسي ارتفاعا في حجم المدخرات بالعملة الأجنبية يعقبه تراجع تدريجي في الأشهر المقبلة مع بقاء معدل التضخم على ارتفاعه. ولما كان متوسط معدلات الادخار قد سجل 17 في المئة في أواسط فبراير فان قيمة أموال المدخرين ستواجه تآكلا حادا عندما يؤخذ التضخم بعين الاعتبار.
وتنقل الصحيفة عن كالين تحذيره من أن مستوى التضخم سيتجاوز كثيرا توقعات الحكومة التركية بأنه سينخفض الى رقم عشري واحد في العام المقبل. فهل سيعود المستثمرون الأجانب الى تركيا عندئذ؟ يعتقد أردوغان ان «نموذجه الاقتصادي الجديد» سيجتذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي ستدخل العملة الصعبة الى البلاد. ولكن الصحيفة تشكك في حماسة المستثمرين الغربيين الذين لطالما كانوا أكبر مصدر للاستثمارات الأجنبية المباشرة في تركيا، وذلك بسبب مخاوفهم المتعلقة بالإدارة الاقتصادية للبلاد وبسيادة القانون.
وتشير الصحيفة الى التحسن الأخير في العلاقات التركية الإماراتية الذي رافقه تعهد من الامارات باستثمار 10 مليارات دولار في تركيا. وفي الشهر الماضي عقدت الامارات اتفاقية مقايضة مع تركيا بمبلغ 5 مليارات دولار ساعدت على تعزيز احتياطيات البنك المركزي التركي. وفي هذا السياق تأمل أنقرة بأن تحسين العلاقات مع آخرين في المنطقة مثل السعودية وأرمينيا وإسرائيل سوف يوفر تعزيزا إضافيا للتجارة والاستثمارات. ولكن كما يحذر كروكر لا يوجد ما يشير إلى إقبال زائد حتى الآن على شراء الأصول التركية.
وفيما يتعلق بقدرة الشركات التركية على تمديد سداد ديونها تقول الصحيفة إن تركيا محصنة إلى حد ما ضد التقلبات في أسواق الأسهم والسندات العالمية لأن الأموال القابلة للانسحاب الفوري قد سحب معظمها بالفعل. وتبقى البلاد معتمدة على التمويل الأجنبي لبنوكها وشركاتها، في حين ان ديونا خارجية بـما يقارب 170 مليار دولار ستصبح مستحقة السداد في الأشهر الاثني عشر المقبلة.
وتضيف الصحيفة إنه إذا ما بدأ الاحتياطي الفدرالي الأميركي برفع أسعار الفائدة في الشهر المقبل وانهاء برنامجه لشراء السندات فان ذلك سيزيد من صعوبات تمديد أجل الديون الخارجية التركية. وإذا ما تعين على الشركات والبنوك ان تسدد ديونها الخارجية بدلا من تمديد أجل استحقاقها فسيؤدي ذلك الى زيادة الطلب على العملات الأجنبية وزيادة الضغوط على الليرة. ولكن أستاذة الاقتصاد في جامعة «كوك» باسطنبول سيلفا ديميرلاب تعتقد ان الاحتياطي الفدرالي قد لا يكون متشددا بالدرجة التي تخشاها الأسواق «مما سيشكل أخبارا طيبة لتركيا التي تجلس على توازن هش».
وتتساءل الصحيفة عن إمكان استمرار البنك المركزي التركي بالتدخل عن طريق بيع الدولار وشراء الليرة، وتشير الصحيفة الى انه بالرغم من التحسن الأخير الملحوظ في اجمالي الاحتياطيات فإنها تبقى سلبية لدى استبعاد الأموال المقترضة بموجب اتفاقيات المقايضة مع المقرضين المحليين والبنوك المركزية العالمية والتي يقدر بنك غولدمان ساكس انها كانت عند مستوى سلبي بلغ في منتصف فبراير نحو 50 مليار دولار، وهذا يعني قدرة محدودة على القيام بمزيد من التدخلات. وفي حين أن تحقيق فائض في الحساب الجاري واستمرار إجراءات الحد من تحويل المدخرات الى عملات أجنبية سيساعدان البنك المركزي على زيادة احتياطياته، ولكن إذا لم يحدث ذلك فان البنك المركزي سيعاني. وفي هذا الصدد يتساءل اوغور غوسيس، المسؤول السابق في البنك المركزي، الى أي مدى يمكنهم الاستمرار باحتياطيات صافية سلبية؟ الإجابة تتوقف في نظره على التدفقات في الأسواق، وهذا ينطوي على مقامرة: «إذا خصمنا المقايضات والذهب فسيتبقى لديهم مقدار قليل جدا من الاحتياطيات».