ذكرت مصادر ذات صلة أن تحويلات المصريين في الكويت إلى بلدهم، سجّلت خلال الأيام الثلاثة الماضية قفزة كبيرة في أعدادها وقيمتها، إذ يُعتقد أنها تتجه للادخار في شهادات الاستثمار، التي طرحتها بعض البنوك المصرية أخيراً بفائدة تقارب 18 في المئة.
وأشارت المصادر إلى أن أعداد العمليات المسجلة خلال هذه الأيام مقارنة بالأيام المقابلة في الأسبوع السابق سجّلت ارتفاعاً يقارب 100 في المئة، فيما سجّلت بعض شركات الصرافة زيادة في قيمة بعض تحويلاتها، لتصل إلى معدل 6 ملايين جنيه للواحد، ما يقارب 50 ألف دينار، وهي قيمة غير معتادة كثيراً، ويصنف أصحابها عادة على أنهم نوعيون.
زخم التحويلات
وتأتي هجمة تحويلات المصريين الأخيرة، في خضم الأخبار السلبية عن تراجع قيمة الجنيه مقابل الدولار، إلى حدود بلغت يوم الإثنين الماضي نحو 17 في المئة، بعد قرار البنك المركزي رفع أسعار الفائدة 1 في المئة، لتسجل مع ذلك رقماً تاريخياً، سواء في جهة العدد أو القيمة، وذلك قياساً بالأيام المقابلة في الأسبوع السابق، وربما من بداية العام الجاري.
ودفعت هذه القفزة إلى التساؤل حول شيفرة سر سخاء المصريين في التحويل بالوقت الحالي، رغم استمرار المخاوف من إمكانية أن يلجأ «المركزي المصري» إلى تبني مزيد من التحريك السالب للعملة المحلية لصالح سعر صرف الدولار؟
وفي قراءة تحليلية لقفزة تحويلات المصريين خلال الأيام الماضية، يتعين الإشارة في البداية إلى أنه يتوقع أن تستمر التحويلات المرتفعة على وتيرتها خلال الأيام القليلة المقبلة، خصوصاً إذا سجل سعر خصم الجنيه مقابل الدولار ثباتاً أو تحسّن قليلاً، لكن تحليلياً تكتسي أرقام التحويلات الأخيرة أهمية خاصة، إذا قورنت بوتيرة التحويلات المسجلة منذ بداية العام، كماً وكيفاً.
زيادة الاستثمار
ويمكن القول إن استمرار زيادة التحويلات خلال الأيام الماضية يعد بشكل أساسي مؤشراً إيجابياً، على أن هناك قناعة لدى المصريين بأن حركة الخفض التي جاءت في سعر صرف الجنيه أخيراً، كانت عملية تصحيح، باعتبار أن سعر الصرف في مصر محرّر، وبالتالي يعكس الأوضاع النقدية والاقتصادية في العالم، ووفقاً لهذه التوقعات لا يُفترض أن يسجل الجنيه مزيداً من الانخفاضات، أقله المؤلمة أمام الدولار في الفترات المقبلة.
وعملياً يأتي زخم تحويلات المغتربين المصريين في الكويت مدفوعاً بالفائدة المزدوجة التي يمكن أن يحققوها من تحويل فوائض أموالهم خلال هذه الفترة.
فمن ناحية، كل من حوّل مبلغاً خلال الأيام الثلاثة الماضية، وفر هامشاً في تكلفته يتجاوز 150 جنيه في كل ألف جنيه، ما يعادل نحو 15 في المئة من التكلفة، التي كان يتحملها صاحب التحويل قبل قرار تحريك سعر العملة.
فقبل قرار «المركزي المصري» كان يتراوح سعر تحويل الألف جنيه بين 19.350 و19500 دينار، أما بعد قرار تخفيضه بقيمة وصلت 17 في المئة بيوم القرار، انخفضت كلفة تحويل الجنيه، ليصبح تحويل الألف بقيمة تتراوح بين 16.350 و16.500 دينار، ما يعني حسابياً أن كل ألف جنيه محولة في الأيام الثلاثة الماضية يوفر صاحبها 3 دنانير، تعادل 180 جنيها حالياً ونحو 150 قبل القرار.
أسعار أعلى
أما الفائدة الثانية التي يسعى لتحقيقها المغتربون المصريون من تحويلاتهم، فترتبط بالفائدة العالية التي يمكن أن يسجلوها في حال إيداعها في شهادات الاستثمار التي طرحها بنكا مصر والأهلي بفائدة 18 في المئة، لمدة عام، وبفائدة تودع شهرياً في حسابات مستحقيها، حيث بلغت حصيلتها في 3 أيام نحو 105 مليارات جنيه، مع الأخذ بالاعتبار أن هذه الفائدة تعكس فوارق عالية لجهة الفائدة، إذا ما قورنت بالودائع الممنوحة محلياً، والتي تأتي متدنية لأسباب تتعلّق بفوائض السيولة التي تتمتع بها البنوك الكويتية.
ونقدياً ومصرفياً تعكس هذه القيمة الثقة في الاقتصاد والأوعية الادخارية المصرية، والمشروعات القومية والاستثمارية، فيما تعد التحويلات من الخارج عموماً من أهم المصادر الدولارية للاقتصاد المصري لعدم ارتباطها بأي تكلفة أو دَين.
وتظهر البيانات الأولية ارتفاع تحويلات المصريين بالخارج خلال السنة المالية 2020 /2021 بمعدل 13.2 في المئة بقيمة بلغت نحو 3.7 مليار دولار، لتحقق بذلك أعلى مستوى تاريخي لها مسجلة نحو 31.4 مليار.
التجربة التاريخية تحفّز المصريين على التحويل
ما يزيد من قناعة المصريين الذين يميلون إلى تحويل مدخراتهم تجربتهم التاريخية، فعقب تنفيذ إجراءات التصحيح بإقرار سياسة تعويم الجنيه في نوفمبر عام 2016، وصلت تحويلات المصريين المقيمين بالخارج إلى 31 مليار دولار سنوياً، بعد أن كانت 12 ملياراً في العام فقط.
ويبعث تحقق المستهدفات النقدية التي صاحبها عدم تحريك سعر صرف الجنيه خلال 5 سنوات وارتفاع قيمته أحياناً مقابل الدولار خلال هذه الفترة، بالطمأنينة للمغتربين بأن التاريخ يعيد نفسه ويمكنهم الاستفادة مجدّداً من التصحيح وأسعار الفائدة، التي وصلت وقتها إلى 20 في المئة قبل أن تعاود الانخفاض إلى 12 في المئة و10 في المئة بعد السيطرة على التضخم حينذاك ونشاط السحب من صافي الأموال الأجنبية.
يذكر أن محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر أفاد في توضيحه لقرار تحريك الجنيه بأن ما يتم اتخاذه من إجراءات تستهدف الحفاظ على ثقة الاستثمار الأجنبي، وثقة أسواق المال الدولية في مصر، إلى جانب المحافظة على موارد مصر من النقد الأجنبي من خلال استمرار تحويلات المصريين المقيمين بالخارج.