منذ 2020 حتى فبراير من هذا العام، كانت الأمور قاتمة إلى حد ما بالنسبة للكويت. وعلى غرار غيرها من الدول، عانت الكويت واقتصادها من جائحة كوفيد-19. مع ذلك، وعلى عكس معظم الدول المتقدمة، كان لدى الكويت القليل من الأنشطة الاقتصادية البديلة المتنوعة لتخفيف وطأة الاعتماد شبه المطلق على النفط.
تقول «يوروموني» إن الكويت الغنية كدست احتياطيات وفيرة على مدى عقود، ولكن عندما انخفضت أسعار النفط في أوائل 2020 مع تراجع الطلب على الطاقة في جميع أنحاء العالم، انكشف مدى سوء إدارة الدولة للاقتصاد وتلك الاحتياطيات في السنوات الأخيرة.
مما لا يمكن تصوره، أن إحدى أغنى دول العالم كانت بحاجة إلى إدارة عجز متتالي في الميزانية عدا عن تراكم ديون ضخمة وسندات دين داخل شبكة متماسكة من مؤسسات الدولة في الكويت.
كل هذا قبل أن يزيد الانكماش الناجم عن الجائحة من الضغط على البلاد.
دق ذلك جرس الإنذار في جميع أنحاء البلاد، وفي عام 2020 جادلت مجموعة مؤثرة من الاقتصاديين الكويتيين في ورقة متفجرة انتشرت على نطاق واسع – «قبل فوات الأوان»- أن الكويت بحاجة ماسة إلى التنويع بعيدا عن الاعتماد على مورد النفط.
لكن سرعان ما تغيرت الأمور في أبريل 2022، ولكن ليس بالطريقة التي توقعها الاقتصاديون الكويتيون الغاضبون، أو الطريقة التي تحفظ استدامة الكويت على المدى الطويل.
فبعد أن قامت روسيا بغزو أوكرانيا في أواخر فبراير من هذا العام، ارتفع سعر النفط أكثر من ثلاثة أضعاف ما كان عليه في عام 2020. وتزامن ارتفاع أسعار الطاقة الذي بدأ في 2021 – وبلغ 132 دولارا- مع برامج التطعيم ضد فيروس كوفيد على التي ساعدت على تعافي الاقتصادات.
وعلى حد قول المجلة يبدو أن الكويت، وعلى غرار جاراتها الغنية بالنفط في الخليج، قد مُنحت فترة راحة من الوضع الصعب الذي كان متوقعا.
هذا الارتفاع في أسعار النفط لم يكن ليأتي في وقت أفضل بالنسبة للبنوك الكويتية، التي نجحت من التغلب على أزمة كورونا، وحققت أرباحا ثابتة في أحسن الأحوال خلال عامي 2020 و 2021 حيث قلصت النفقات وركزت على العمليات الرقمية للمساعدة في تحمل تراجع الاقتصاد. ومع الارتفاع الحاد في أسعار النفط بعد الغزو الروسي في فبراير، ارتفع البنوك مرة أخرى بشكل جيد.
وكانت وكالة التصنيف «ستاندرد آند بورز» قالت عن القطاع البنكي في أحد تقاريرها: «إن توقعات الاقتصاد الكلي، وارتفاع أسعار النفط وأسعار الفائدة، تعمل على تمهيد مسار تعافي البنوك الكويتية».
وتوقعت أن تتعافى أرباح البنوك الكويتية بالكامل في عام 2022.
ريادة مصرفية
كانت البنوك الكويتية رائدة الأرباح في المنطقة حتى الآن هذا العام مقارنة بنظيراتها في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي. وتوقع محللو الصناعة في المجموعة المالية-هيرميس أن تسجل البنوك الكويتية في عام 2022 معدل نمو أرباح 33 في المئة عند قياسه سنويا، مقارنة 21 في المئة للبنوك الإماراتية والقطرية، و15 في المئة بالنسبة للبنوك السعودية.
يقول الأستاذ سعد الناهض من كلية العلوم الادارية في جامعة الكويت: «النظام المصرفي في الكويت قوي للغاية، إنه ممتاز. فالأرباح جيدة ومتنامية، و وصلت معدلات القروض المتعثرة إلى أدنى مستوياتها التاريخية، وتتمتع البنوك الآن برسملة جيدة للغاية».
وقالت المجموعة المالية-هيرميس إن الاستعدادات لتحسين الأرباح في البنوك الكويتية تمت في النصف الثاني من عام 2021، عندما انخفضت المخصصات مع تحسن جودة الائتمان. يبشر هذا العمل المتقطع بالخير للقطاع خلال الفترة المتبقية من 2022، مع تحسن الإنفاق الاستهلاكي الذي يقود نمو القروض.
ما يحصل في القطاع البنكي ينطبق أيضا على بقية الاقتصادات. فبعد أن انخفض الناتج المحلي الإجمالي في الكويت بمعدل 8.9 في المئة في عام 2020 خلال أسوأ فترات الجائحة وعانى حتى نما بنسبة تقدر بنحو 1.3 في المئة في عام 2021، وفقا لصندوق النقد الدولي، من المتوقع بحسب الصندوق أن يحقق الاقتصاد المحلي انتعاشا قويا وينمو بنسبة 8.2 في المئة. الاقتصاديون في بنك الكويت الوطني أكثر تفاؤلاً، فهم يتوقعون نمو الناتج المحلي الإجمالي هذا العام بنسبة 8.5 في المئة على خلفية ارتفاع إنتاج النفط وأسعاره.
ولكن بعد النظرة القاتمة للمستقبل الاقتصادي للكويت التي رسمتها من قبل تلك المجموعة من الاقتصاديين في عام 2020، هل الأخبار السارة طوال هذا العام مجرد وهم، وفترة مشمسة من الازدهار قبل أن تتجمع العواصف مرة أخرى فوق الكويت؟
يبدي الناهض مخاوفه بأن تكون كذلك، إذ يقول: «الحرب في أوكرانيا، على الرغم من كونها مؤسفة، أدت إلى ارتفاع أسعار النفط ولكن ليس إلى النقطة الدراماتيكية المتمثلة في كونها آمنة وتغطي على المشكلة. ما زلنا على وشك أن نتمكن بالكاد من تغطية عجز الميزانية. لقد كسبت بعض الوقت، لكنها ليست ذات مغزى بما يكفي لإحداث أي فرق».
الناهض قلق من أن العيوب الأساسية في الاقتصاد الكويتي التي دفعته هو وزملاؤه إلى إصدار تحذيرهم في عام 2020 لم تتغير كثيرا لمجرد أن روسيا قررت خوض الحرب وإحداث تغيير في الاقتصاد العالمي في هذه العملية.
إنه قلق من التراخي والخلل في الأولويات الرسمية. فسعر النفط من 75 إلى 80 دولارا للبرميل أفضل بكثير من 30 دولارا و 40 دولارا، لكن منذ ارتفاع أسعار النفط، للأسف، أصبحت الحاجة إلى معالجة هذه القضايا أقل أولوية.
ويضيف: «إن الأرقام تعود إلى طبيعتها، بل إنها أفضل من العامين الماضيين». لكن مرة أخرى، هذا يرجع فقط إلى تعافي أسعار النفط. من الناحية الهيكلية، أعتقد أننا ما زلنا نواجه نفس المشكلات التي تم تسليط الضوء عليها [في ورقة عام 2020] والتي أصبحت مهمة خلال ذروة الجائحة. نعم، على السطح تبدو الأمور على ما يرام فيما يتعلق بموازنة الميزانية، لكن الآليات الأساسية أو الجذور الكامنة للمشكلة، كما أعتقد، لا تزال موجودة “.
في ورقتهم لعام 2020، حذر الاقتصاديون من أن ثروة الكويت مهددة من قبل «الثقافة الريعية» اللامبالية، وتطرقوا إلى أن «الامتيازات الوفيرة التي اعتادت أجيال من الكويتيين عليها منذ اكتشاف النفط مهددة بالزوال، محذرين من أن التنويع ضروري وعاجل، وأن النموذج الاقتصادي الكويتي كان»غير مستدام”.
الاعتماد على الموارد
يجادل الاقتصاديون الكويتيون بأن جائحة كوفيد تمثل مشكلة يمكن التغلب عليها على المدى القصير إلى المتوسط، لكن ما هو أخطر افتقار الكويت إلى التنوع الاقتصادي وكيفية إدارة الدولة للاحتياطيات التي تراكمت من عائدات النفط على مر عقود.
يقول الناهض:«لم يتغير شيء يذكر منذ ذلك الحين. بصراحة، ما يحافظ على الاقتصاد، على الأقل من حيث التصنيفات الائتمانية، هو أنه لدينا احتياطيات أجنبية جيدة، وهي أعلى نسبة احتياطيات أجنبية إلى الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة.»
ويقدر أن حوالي 60 في المئة إلى 70 في المئة من عائدات النفط في الكويت يتم إنفاقها على دعم قطاع الدولة المتضخم، الذي يعتبر أكبر جهة توظيف في الكويت.
ما كان يحدث هو أن الحكومة كانت في حاجة ماسة إلى تسييل الأصول من أجل سداد التزاماتها، سواء كانت رواتب أو تكاليف رأسمال أو نفقات تشغيل ملزمة.
لكن ارتفاع أسعار النفط هذا العام سهّل الأمر على السلطات بحيث لم تضطر تسييل أصول لدفع الرواتب.
يقول الناهض: «الأمر وكأنه رجل ثري للغاية ولكن إدارته للأموال سيئة».
من ناحية ثانية، اعتبرت المجلة أن المبادرات الأخيرة من قبل هيئة أسواق المال الكويتية للترويج لسوق الدين المحلي تعتبر مشجعة.
يقول الناهض:«هذا قد يجعل الأمور أفضل قليلاً بالنسبة للقطاع الخاص من حيث جمع الدين للحكومة، [لكن] مرة أخرى، هذه الأشياء تعالج الأعراض فقط ولكن ليس بالضرورة أن تعالج السبب الجذري للقضية».
رحب الناهض بتعيين باسل الهارون، محافظا جديدا لبنك الكويت المركزي، والذي قد يواجه تحديات عندما استقرار ارتفاع أسعار النفط.
وقال:«إنهم يدركون أن [ارتفاع الأسعار] هذا هو أمر مؤقت وأن المحافظ التالي سيواجه تحديا أكبر إذا انخفض سعر النفط أو حتى إذا ظل على حاله، لأن النفقات تنمو بطبيعتها. في مرحلة ما، سيكون عليهم تسييل المزيد من الأصول أو السحب من الاحتياطي».
وأضاف أنه لا تزال هناك أيضا قضايا تم تأجيلها من الجائحة. وكان هناك تقدم بطيء للغاية في تنويع الاقتصاد بعيدا عن الاعتماد على مورد النفط.
يقول: «كان هناك بعض التحسن في ذلك، ولكن ليس لدرجة أنني أطلق عليه التنويع المناسب. فالتنويع المناسب، الذي يعني إيجاد موارد أخرى غير النفط لتوليد الإيرادات، سواء كانت ضريبية، أو عن طريق تدفقات أجنبية أو حتى جعل الاقتصاد تنافسيا من حيث الصادرات، لم يحدث ذلك تماما إلى الحد الذي يمكنني تسميته تنويعا.»
واستشهد الناهض بالاختلالات في سوق العمل قائلاً: «لقد غادرت الكثير من العمالة الأجنبية منذ الجائحة، نظرا للقيود التي تم فرضها آنذاك وعمليات الإغلاق. والآن، العديد من الشركات والمؤسسات بالأساس ليس لديها موظفين».
الوضع السياسي
تشير المجلة الى عدم الاستقرار السياسي الذي يرخي بظله على كل شيء في البلاد والذي تمثل في استقالة الحكومة الكويتية الحالية في أوائل ابريل الماضي، وهي ثالث حكومة تستقيل خلال عام واحد مما يبرز الطريق المسدود الذي وصلت اليه العلاقة بين الحكومة ومجلس الأمة، والذي يعيق الجهود لإجراء إصلاحات اقتصادية جوهرية.
وأوضحت المجلة ان المواجهة بين السلطتين أثرت على قدرة الكويت على طرح السندات في السوق العالمية والذي توقف منذ 2017 بعد انتهاء أجل قانون الدين العام واخفاق السلطتين في الاتفاق على إقرار بديل له. وأثر ذلك بدوره على التصنيف السيادي للكويت كما حدث عندما خفضت وكالة فيتش في يناير تصنيف الكويت من AA الى AA-. وامتد هذا التأثير السلبي الى القطاع المصرفي بتخفيض «فيتش» في فبراير لتصنيفات عجز المصدر عن السداد طويل الأجل لـ 11 بنك كويتي بسبب ما ذكرت انها الإخفاقات السياسية التي تؤثر على الاقتصاد. وبالرغم من توقعاتها بأن نسبة القروض المتعثرة وتكلفة المخاطر ستعود «تدريجيا الى سابق عهدها»، تعرب «ستاندرد آند بورز» عن مخاوف مماثلة من تأثير الجمود السياسي على البنوك.