كشفت مصادر مسؤولة أن أحد البنوك الأجنبية التي تعمل في الكويت أفاد الجهات الرقابية شفاهة برغبته بإغلاق فرعه محلياً، وأنه يحضّر لترتيب إجراءات الخروج مع بنك الكويت المركزي خلال الفترة الزمنية المقبلة.
ولفتت المصادر إلى أن البنك لم يوجه طلباً رسمياً بهذا الخصوص، منوهة إلى أنه في حال التوصل لاتفاق نهائي بين الفرع الأجنبي والناظم الرقابي على الخروج من السوق المحلي، فإنه سيكون على مدى متوسط بين 3 إلى 4 سنوات، وهي الفترة التي يتعيّن على فرع البنك الأجنبي خلالها توفيق أوضاعه رقابياً، وفي مقدمة ذلك ضمان الإيفاء بجميع المطلوبات المسجلة عليه، سواء للعملاء أو الموظفين، أخذاً بالاعتبار أن البنك قد يتخلى عن خططه في هذا الاتجاه، وأن النقاشات المفتوحة منذ فترة قد تُغلق لاعتبارات يمكن أن تستجد لدى المجموعة الأم.
ووفقاً للمصادر تشمل إجراءات إنهاء الفرع لعلاقته المصرفية محلياً تسديد الودائع لأصحابها، والذي سيكون على الأرجح بانتهاء آجالها، فضلاً على دفع الاستحقاقات المترتبة عليه لجميع الأطراف ذات العلاقة، وسداده جميع رواتب ومستحقات العاملين لديه، فيما سيسمح له بتكوين مراكز جديدة من الودائع خلال الفترة الأولى من تنفيذ قراره، على أن تكون متوسطة الأجل، وبما يساعده في استيفاء نسب السيولة الرقابية المقررة من «المركزي»، فيما سيسبق إنهاء أعمال الفرع تحصيله للقروض التي منحها لعملائه.
تحقيق المستهدف
وعزت المصادر توجه البنك الأجنبي الأم في هذا الخصوص إلى عدم قدرة فرعه بالكويت على تحقيق مستهدفات المجموعة منه على غالبية الأصعدة المخططة له، وفي مقدمتها بلوغ الحصة السوقية المناسبة، ومعدل الربحية الذي يتعيّن تحقيقه.
وأوضحت أنه مع ارتفاع التكلفة التشغيلية للفرع الأجنبي في الكويت، فإن أياً من الأفرع الأجنبية لم تصنف ضمن قائمة البنوك الـ10 الأولى في الكويت، فرغم اجتهادها خلال السنوات الماضية لتحقيق نقلة في مركزها، إلا أنها لم تفلح حتى الآن في زيادة عوائدها محلياً بما يُعزّز خطوط المجموعة الرئيسية لجهة عوائدها المحققة من الخارج.
وذكرت المصادر أن بعض الفروع الأجنبية في الكويت تحافظ على مراكزها في السوق المحلي لأسباب إستراتيجية فقط، تتعلق بتوجهات مجاميعها الرئيسية وتتجاوز مفاهيم الربحية التقليدية، إلا أنه نتيجة للمتغيرات التي طرأت على الأسواق في الفترة الأخيرة، وما أفرزته من حاجة مالية لتقليص المصاريف وإغلاق النوافذ غير المربحة، لجأت بعض البنوك الرئيسية لترشيق وجودها الخارجي.
تخفيف القيود
ولعل ما يُعزّز ذلك أن جميع أفرع البنوك الأجنبية في الكويت لم تستغل تخفيف القيود الرقابية على المصارف الأجنبية المرخص لها بالعمل في البلاد، وآخرها التي أقرّها البنك المركزي قبل 25 مارس 2014 بالسماح لها بافتتاح أكثر من فرع بدلاً من الاعتماد على فرع واحد، والموافقة على افتتاح مكاتب تمثيل للبنوك الأجنبية، فجميع هذه الأفرع «باستثناء واحد» لم تتقدم بطلب فتح فرع إضافي لها حتى الآن.
وذكرت المصادر أن هناك أكثر من سبب لانخفاض عوائد أفرع البنوك الأجنبية بالسوق المحلي مقارنة بالبنوك الكويتية، ويمكن حصرها كالتالي:
1 – تركيز هذه الأفرع ينصب على الخدمات المصرفية للشركات، ورغم ذلك لم تنجح هذه الأفرع في استقطاب شريحة كبيرة من التُجّار وشركاتهم، حتى في ما يتعلق بفتح الاعتمادات، والسبب في ذلك أن دورتها المستندية في هذا الشأن تستغرق وقتاً أكبر كونها تحتاج إلى موافقة من المكتب الرئيس، بخلاف البنك الكويتي الذي يمتلك دورة تحفيزية أوسع مع عملائه.
2 – مقابل التركز غير المثمر لأفرع البنوك الأجنبية بقطاع الشركات، كان هناك تخلٍّ منها أو تقلص في حصتها بسوق التجزئة «الأفراد»، حيث لم تنافس في هذا القطاع، باعتبار أنها لا تملك إلا فرعاً واحداً لا يمكن مغازلة العملاء من خلاله، ونتيجة لذلك قلت فرص منافستها في السوق المصرفي المحلي وفقاً للمخطط له، ولأسباب أخرى تتعلّق بخططها نفسها.
3 – لم ينجح هذا الفرع مثل غيره الكثير في تغيير شكل المنافسة المصرفية بالكويت، ولم يكن لحضوره انعكاسات في تحفيز المنافسة داخل القطاع، لما يترتب عليه من تقديم خدمات متنوعة ومتميزة وبتكلفة مناسبة، خصوصاً ما يتعلق بالخدمات المصرفية الاستثمارية، وإدارة الأموال في الشرق الأوسط، أو حتى لجهة الاتصال المباشر بالسوق الكويتي. ومن الواضح أنه وغيره الكثير من أفرع البنوك الأجنبية لم يستطع إقامة علاقات جديدة مع كبريات المؤسسات بالكويت من خلال توفير مجموعة كبيرة من الخدمات المصرفية التجارية والاستثمارية المتميزة، ما انعكس على حصصه السوقية.
4 – من باب الموضوعية لا يمكن القول إن خروج أفرع البنوك الأجنبية من قائمة المنافسة المحلية الرئيسية، بسبب تقصيرها فقط في تنفيذ الأهداف المحددة لها، فهناك أسباب رئيسية أخرى من قبيل قوة البنوك الكويتية رأسمالياً وكذلك لجهة الانتشار، والعلاقة التاريخية مع العملاء، وفهم متطلباتهم وتطلعاتهم أكثر.
5 – من الواضح أيضاً تراجع القوة الدافعة من بعض البنوك الرئيسية لفروعها الخارجية بالكويت، خصوصاً الأفرع التي رخصت محلياً بعد اندلاع الأزمة المالية العالمية في العام 2008، فمن وقتها تتعرض الأسواق لأزمة تلو الأخرى آخرها الحرب الأوكرانية الروسية وقبلها جائحة كورونا، وجميعها أزمات زادت معدلات المخاطر ورفعت الحاجة لتقليل الانكشاف المتفائل.
6 – تركز غالبية الودائع المحلية في المصارف الكويتية، إلى الحدود التي زادت معها مستويات السيولة النقدية لديها مقابل زيادة الطلب عليها من الأفرع الأجنبية، ما دفع بعضها إلى التحرك على مغازلة العملاء بزيادة نسبة عوائدهم، في وقت يُلزم «المركزي» البنوك الأجنبية باستثمار ودائعها محلياً وعدم نقلها للخارج، وتنظيم ضخ سيولتها الدولارية في خزينة المجموعة لأدنى مستوى ما قلل قدرتها على المناكفة.
7 – حتى فيما يتعلق بالمنافسة التقنية التي يعوّل عليها كثيراً في تعزيز القدرات المصرفية، فإن البنوك المحلية نجحت في القفز إلى الرقمنة سريعاً، وأقرّت إنفاقاً سخياً على الاستثمار بهذا القطاع، ما جعلها في مقدمة المصارف القادرة على استقطاب العميل المحلي بغض النظر عن تطلعاته ومتطلباته المصرفية، فيما تمضي قدماً في تطوير قدراتها الدفاعية في هذا الخصوص، وهذا ما تحذو حذوه الأفرع الأجنبية بالكويت.
ويذكر أنه في الكويت يوجد 12 فرعاً مرخصاً لبنوك أجنبية، وأنه في 2005، سجل بنك الكويت المركزي في سجلاته أول بنك أجنبي يفتتح فرعاً له في السوق المحلي، في خطوة كان يعوّل عليها كثيراً في فتح المجال أمام الاقتصاد الكويتي عموماً والقطاع المصرفي خصوصاً، والذي شهد تطورات عدة في الأعوام الأخيرة.