لاتزال تداعيات الحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا تلقي بظلالها سلباً على كثير من الدول العربية ومن ضمنها الكويت، فارتباط النظام الاقتصادي العالمي ببعضه زاد من تضخم أسعار السلع الأساسية في الأسواق إلى معدلات استثنائية، مدفوعة بارتفاع تكلفة الشحن.
ومن الأسواق الرئيسية المتضررة من قفزة الأسعار بشدة يأتي قطاع الإنشاءات المحلي، حيث أن هناك تعاقدات على مشاريع إنشائية تواجه خللاً في شروط العقود المبرمة، ما يزيد احتمالية التعرّض لموجة فسخ تعاقدات بين مقاولين وجهات وأفراد، بعضها بدأ بالفعل.
وأوضحت أن بعض المقاولين رفضوا المضي قدماً بتنفيذ عقود كانوا وقّعوها منذ بداية السنة، لكنه لم يتم البدء بتنفيذها حتى الآن لأسباب تتعلق باستخراج الرخص أو لاعتبارات تتعلّق بأيّ من الطرفين، وبرروا ذلك بأسباب قهرية مرتبطة بزيادة غير مسبوقة لأسعار السلع الإنشائية، ما أدى إلى تسجيلها معدلات تضخم عالية أرهقت قدرة المقاولين على الاستمرار، حيث عُلم أن مقاولين أفادوا بعض العملاء بعدم قدرتهم على تحمل الفارق من ميزانيتهم، ما لم تتم إعادة النظر في قيمة العقد.
فترة قريبة
وفي التفاصيل، بيّنت المصادر أن هناك تعاقدات إنشائية تم توقيعها خلال الأشهر الماضية، على أساس البدء في تنفيذها خلال فترة قريبة، إلا أن أصحابها لم يتمكنوا من استخراج الرخص المطلوبة منهم لذلك سريعاً، وأن بعضهم نجح في استيفاء المطلوب منه إجرائياً خلال الشهر الماضي، أو السابق له، فيما بعضهم تأخر لأسباب تتعلق بنقص السيولة.
ولفتت إلى أن هؤلاء الأشخاص طلبوا من المقاولين المتعاقدين معهم البدء بالتنفيذ، إلا أن طلبهم في هذا الخصوص قوبل بالرفض، لأكثر من سبب، الأول لمرور نحو 5 أشهر على التعاقد، وهي فترة أكبر بكثير من أن يستمر الالتزام بالعقد من الناحية القانونية، أما السبب الرئيس والأكثر فرضية فيتعلق بأن أسعار السلع الرئيسية سجلت منذ بداية العام قفزة غير مسبوقة، وصل معها ارتفاع بعض السلع لأكثر من 100 في المئة.
وعملياً يواجه قطاع المقاولات بصفة عامة تحديات كبيرة بعد زيادة أسعار مواد البناء كالحديد والأسمنت، ما أدى إلى ارتفاع تكلفة المشاريع، ومن ثم إمكانية تعرّض المقاولين لنتائج سلبية تشمل العاملين لديهم.
فارق السعر
وأوضحت المصادر أن ارتفاع الأسعار الإنشائية دفع بعض المقاولين إلى اتخاذ إجراءات حمائية لتفادي التعرّض لخسائر محققة من فارق السعر الذي سيتم تحمله إذا تم المضي قدماً في تنفيذ التعاقدات الموقعة قبل 4 أشهر، حيث طلبوا من أصحاب القسائم إما إلغاء العقود القائمة بينهما، أو إعادة النظر في تقدير القيمة بناء على الأسعار الحديثة.
وذكرت المصادر أن سلسلة ارتفاعات السلع الإنشائية متنوعة، وتشمل زيادات تراوحت بين 8.7 في المئة وأكثر من 100 في المئة منذ يناير الماضي حتى مطلع يونيو الجاري، مفيدة بأن الزيادات المسجلة الأخيرة تؤدي إلى خسائر محققة أو تنفيذ المشروع بجودة أقل.
ومن الواضح أن زيادة أسعار السلع الإنشائية لم تكن السبب الوحيد في تهديد الكثير من العقود الإنشائية، فقد لوحظ ارتفاع أسعار العمالة خلال الفترة الماضية من 2022 بنحو 40 في المئة لكل من العامل العادي والعامل المتخصص، ما زاد إجمالي الكلفة المحددة للتنفيذ.
ماذا يقول القانون؟
من الناحية القانونية هناك وجهتا نظر، الأولى تعتمد على أن هناك تعاقداً يتعيّن الالتزام به من قبل المقاول، إلا إذا كان منصوصاً بالعقد على مهلة محددة لبدء التنفيذ تم تجاوزها، فيما تؤكد هذه الوجهة أنه من حق العميل شركة أو فرداً مقاضاة المقاول المتخاذل، وأن عليه تحمل نتيجة تقديراته للكلفة الإنشائية أخذاً بالاعتبار تحركات السوق، خصوصاً لو كان العقد بدأ تنفيذه بالفعل منذ أشهر.
في المقابل يرى آخرون أن التغيرات السعرية الأخيرة مقنعة من الناحية القانونية لاتخاذ إجراءات فسخ العقد ولو لم تكن هناك مهلة محددة لبدء العمل، على أساس أن القفزة السعرية المسجلة بين يناير ومايو الماضيين، أكبر بكثير من أن يتحملها المقاول منفرداً، وأن ذلك يضع إلغاء العقد ضمن خانة الأسباب القهرية، باعتباره خارجاً عن الإرادة، ونتيجة لأوضاع حرب غير متوقعة.
وعموماً يواجه القطاع الإنشائي ظروف عمل صعبة بين الالتزام بتنفيذ مشاريع وفقاً لتعاقدات وُقعت بأسعار بداية العام، وأسعار حديثة لم يكن أحد يتوقع أن تقفز بهذا الشكل الصعودي.