تساعد إيرادات النفط الاستثنائية بعض دول الخليج على سداد ديون وتوافر التمويل لدول أخرى من أجل تنويع اقتصاداتها المعتمدة على النفط، لكنها أيضاً تختبر التزاماتها بانضباط المالية العامة، مع سعي الحكومات لحماية المواطنين من التضخم (رويترز).
وتعهّدت دول الخليج المنتجة للنفط بالتحلي بمزيد من الحصافة هذه المرة مع ارتفاع أسعار الخام بشدة، سعياً للاستفادة من دروس المرات الماضية التي شهدت زيادة هائلة في الإيرادات، لكن سرعان ما تحولت إلى تقشف مالي وعجز شديد في الميزانية.
وتتجه دول الخليج الست إلى تحقيق فائض في الميزانية، بعضها للمرة الأولى منذ عقود، بدعم من ارتفاع أسعار النفط وإصلاحات مالية على مدى سنوات، فيما يرى محللون أنه يتوجب على هذه الدول التمسك بهذا النهج الحذر.
وتقول الباحثة لدى معهد الشرق الأوسط في واشنطن كارين يانغ إن «إغراء العودة إلى الإنفاق المساير للدورة الاقتصادية حقيقي، لاسيما أن التعاقدات الحكومية تواصل قيادة النشاط الاقتصادي في الاقتصادات الكبيرة مثل السعودية».
وهناك بعض المؤشرات المشجعة، مع تخفيض السعودية والكويت والبحرين الإنفاق في الميزانيات الحالية، لكن الإمارات وقطر وعُمان تزيد الإنفاق، في حين أن معظم الميزانيات الخليجية تم إعدادها قبل غزو روسيا لأوكرانيا، الأمر الذي ساعد في صعود النفط من أقل من 80 دولاراً للبرميل في نهاية 2021 إلى أعلى من 100 دولار حالياً.
وسعياً لخفض ضغوط الأسعار على المواطنين، وافقت الكويت -التي واجهت أزمة سيولة في عام 2020- على منحة مالية لمرة واحدة للمتقاعدين بلغت كلفتها نحو 600 مليون دينار، كما خفضت عُمان أسعار الكهرباء للأسر، لكن دول الخليج تدرك بشكل متزايد أن تحوّل العالم على المدى البعيد عن استخدام الوقود الأحفوري يضع حداً لهذه المنحة النفطية، ما يمثل دافعاً أكبر لها لزيادة الإنفاق من الإيرادات الاستثنائية لتنويع اقتصاداتها المعتمدة على النفط والغاز.
وأعدّت السعودية والإمارات وعُمان، على سبيل المثال، خططاً لتطوير إنتاج «الهيدروجين الأخضر»، كما تلعب صناديق الثروة السيادية دوراً في زيادة نشاط الشركات الخاصة في اقتصادات اعتمدت لفترة طويلة على الإنفاق الحكومي كمحرّك أساسي لها.
ويرى كبير الاقتصاديين في «أكسفورد إيكونوميكس»، سكوت ليفرمور، إن الإنفاق على تنويع الاقتصادات سيظل مرتفعاً، لكن المجال الذي قد يتم فيه خفض الطموح هو تنويع الإيرادات المالية وتقليص التوظيف في القطاع العام.
وتتوقع يانغ المزيد من الإنفاق على مشروعات تنمية كبيرة في السعودية، لاسيما تلك التي تدخل ضمن اختصاص صندوق الاستثمارات العامة.
وتستهدف الإمارات زيادة الإنفاق بنحو 335 مليون دولار في عام 2022، فيما رفعت عُمان الإنفاق بالميزانية الحكومية 12 في المئة.
وأشارت «رويترز» إلى أن الكويت وقطر وعمان والسعودية تتمتع على الترتيب بأكبر قطاعات طاقة في منطقة الخليج مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، مشيرة إلى أنها قد تواجه أكبر تدهور في المالية العامة إذا أدى تباطؤ الاقتصاد العالمي إلى ضعف الطلب على الوقود.
التضخم يزيد ضغوط الإنفاق السخي
دفع ارتفاع أسعار النفط والضغوط التضخمية الأخرى البنوك المركزية في أنحاء العالم إلى رفع أسعار الفائدة، لاسيما «الفيديرالي» الأميركي. ومع ربط عملات معظم دول الخليج بالدولار – باستثناء الكويت التي تربط عملتها الدينار بسلة عملات – تقتفي البنوك المركزية في الخليج أثر تحركات «الفيديرالي» إلى حد بعيد، لكن التضخم في الداخل -حتى وإن لم يكن مرتفعاً مثله في أي مكان آخر- شجع بعض هذه الدول، ومنها السعودية والإمارات، على زيادة الإنفاق الحكومي على الرعاية الاجتماعية لمساعدة المواطنين.
ويقول المدير وكبير المحللين في «ستاندرد آند بورز غلوبل» للتصنيفات الائتمانية، رافي بهاتيا، إن «التوقعات تشير إلى أن التضخم لن يخرج عن السيطرة، لكن هناك ضغوطاً، مضيفاً: «لا أعتقد أنه سيمثل نقطة تحول في ما يتعلق بالمالية العامة».