فيما تتحضّر الحكومة لتقديم برنامج عملها إلى مجلس الأمة قريباً، يبدو أن تعزيز التصنيف السيادي للكويت واستعادة درجاته المخفّضة من وكالات التصنيف العالمية بات من الأولويات الحكومية، وأحد مستهدفاتها الرئيسية.
وفي هذا الخصوص، قالت مصادر أن اللجنة الاقتصادية التابعة لمجلس الوزراء بحثت في اجتماعها الأخير الضغوطات التي أدت إلى تخفيض التصنيف الائتماني السيادي للدولة فترة جائحة كورونا، تزامناً مع مستهدفات برنامج عمل الحكومة التي تدفع نحو العمل على استعادة التصنيف السيادي للكويت، ورفعه من درجة «AA-» إلى «AA» بحلول 2026، على أن يكون ذلك باتخاذ تدابير حكومية طويلة الأجل تمنح البلاد نظرة مستقبلية أكثر استقراراً.
ونوّهت المصادر إلى أن الحكومة حدّدت من حيث المبدأ في برنامج عملها جملة مستهدفات رئيسية، يأتي في مقدمتها معالجة تراجع التصنيف السيادي، مؤكدة أن استمرار التحديات نفسها التي برزت خلال «كورونا» يُشكّل ضغوطات تؤدي إلى تبعات سلبية على القطاعات الاقتصادية والمواطنين ما لم يتم معالجتها، ما يستدعي الإسراع في تقديم حلول حكومية حقيقية لهذا التعقيد.
ولفتت إلى أن التحدي الحكومي الأول لاستعادة تصنيف الكويت السيادي هيكلي، ويتمثل في اعتماد الميزانية العامة على النفط لجهة الدخل، مبينة أن هناك توافقاً على أن معالجة هذا الخلل يتطلب فتح المجال لإنشاء صناعات تحويلية وأخرى بتروكيماوية بدلاً من الاكتفاء بتصدير النفط، على أن توازي ذلك دراسة الجدوى لكل مشروع مستهدف متضمنة تحديد العوائد والمخاطر المترتبة على الاستثمار بهذا القطاع.
وبيّنت المصادر أن ارتفاع أسعار النفط منذ بداية العام حدّ من الاحتياجات التمويلية للموازنة العامة، ما زاد الترجيحات المتفائلة بتحقيق فائض عن العام المالي الحالي وذلك للمرة الأولى منذ 2014، موضحة أن هناك إدراكاً حكومياً بأن حالة النفط الغالي لا تعني تلاشي السبب الرئيس المؤثر سلباً على التصنيف السيادي، باعتبار أن استدامة هذه الحالة غير مؤكدة ومعرّضة لمخاطر تقلبات السوق.
تذبذب الأسعار
ونوّهت إلى أن تعرض الموازنة العامة لمخاطر تقلبات أسعار النفط يشكل تحديات مستمرة تضغط على التصنيف الائتماني للبلاد، مشددة على ضرورة معالجتها من خلال فتح آفاق صناعية للنفط الكويتي، ترفع قدرة الدولة على التكيف مع الصدمات، والتوترات الجيوسياسية الإقليمية، في حين أن من المستهدف حكومياً رفع تدفق الإيرادات غير النفطية إلى ما بين 3 و4 مليارات دينار سنوياً، مقارنة بـ1.8 مليار وفقاً للميزانية التقديرية للسنة المالية الماضية 2021/2022.
إضافة إلى ذلك، تعمل الحكومة على تحسين بيئة الأعمال المحلية، وزيادة جودة البنية التحتية بما يُحسّن المقدرة على استقطاب الاستثمارات الأجنبية، ومن ثم زيادة العوائد غير النفطية.
وحسب تقارير وكالات التصنيف العالمية تمتلك الكويت عدداً من نقاط القوة التي تدعم تصنيفها الائتماني، وتتمثل في امتلاك البلاد ثروات نفطية ضخمة استثنائية، وانخفاض إجمالي الدَّين الحكومي، وضخامة حجم أصول صناديق الثروة السيادية الذي يصل لنحو 750 مليار دولار، في وقت يُصنّف فيه نصيب الفرد من الدخل عند مستوى مرتفع جداً.
ولفتت المصادر إلى أن اللجنة الاقتصادية طلبت من الجهات ذات العلاقة وضع حلول جادة لتلافي الضغوط المستقبلية على التصنيف السيادي للدولة بمعالجات طويلة الأجل وليس الاعتماد على سيناريوهات تُغذّي الميزانية العامة موقتاً، متجاهلة مخاطر تقلبات أسواق النفط.
سيناريو السحب
وأشارت المصادر إلى أن التحدي الثاني الذي لا يزال يُشكّل ضغطاً على التصنيف السيادي للدولة يتمثل في غياب قانون للدَّين العام، يأذن للحكومة بعقد قروض عامة وعمليات التمويل من الأسواق المالية المحلية والعالمية، مبينة أن من المستهدفات الحكومية التعزيزية في هذا الخصوص إقرار قانون في شأن الصكوك الحكومية.
وذكرت أن استمرار غياب قانون الدَّين العام يفرض استمرار احتمالية عودة الحكومة مجدداً إلى سيناريو السحب من أصول صندوق الاحتياطي العام لتلبية احتياجاتها التمويلية الإجمالية، خصوصاً إذا تراجعت أسعار النفط لمستويات لا يمكن معها تغطية المصروفات العامة، مثلما حدث عندما تدنت مستويات السيولة في «الاحتياطي العام» لمستويات دفعت وزير المالية في أغسطس 2020 للإعراب عن قلقه من استمرار قدرة الدولة على توفير احتياجاتها الاساسية من الصرف، وفي مقدمتها الرواتب.
وأفادت المصادر بأن الحكومة سحبت الجزء الأكبر من الأصول السائلة لصندوق الاحتياطي العام خلال السنوات 2020-2021، ما دفعها إلى بيع الأصول غير السائلة في صندوق الاحتياطي العام إلى صندوق احتياطي الأجيال القادمة، مشيرة إلى أن وجود قانون دين عام بتوافق حكومي نيابي يُعزّز قدرة الدولة المالية للحدود التي توفّر حماية إضافية لتصنيفها السيادي، كما أنه في غياب الاقتراض، سيتعيّن تطبيق المزيد من إجراءات التقشف على الإنفاق العام.
أما التحدي الثالث أمام استعادة الكويت لتصنيفها فيتعلّق بإصلاح منظومة الدعم الاجتماعي، حيث تعمل الحكومة على تقديم تصوّرات تضمن تحقيق العدالة للمستفيدين منها، مع تحسين صرف دعم العمالة الوطنية، وضمان الصرف الأمثل لها، فضلاً عن وضع إستراتيجية لتحسين معيشة المتقاعدين، برفع الحد الأدنى لمعاشاتهم.
وذكرت أن لارتفاع مستويات التضخم عالمياً ومحلياً تأثيراً سلبياً على استدامة المالية العامة لتوفير برامج الدعم الحالية، ما يتطلب إعادة النظر في البرامج الحالية واستبدالها بأخرى تستهدف تكوين شبكة أمان اجتماعي مستدامة ومستهدفة.
تعزيز منظومة الأمن الغذائي والسلعي
أكدت المصادر أن هناك اهتماماً حكومياً بتعزيز منظومة الأمن الغذائي والسلعي في البلاد على أن يكون ذلك بطريقة تضمن توفير مصدات حمائية في حال تباطؤ أو انقطاع سلاسل التوريد العالمية مستقبلاً لأي أسباب جيوسياسية، مثل التي أثّرت على العالم بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية.