فى ظل رغبة البنوك بدعم معدلات ربحيتها وتنويع محافظ قروضها الشخصية لتقليل مخاطر التركز الائتماني، شرّعت بعض المصارف أبوابها مجدداً لعودة إقراض الوافدين وغير محددي الجنسية «البدون»، بوتيرة وشروط ميسرة، غير معتادة منذ بدء جائحة «كورونا».
في المقابل لا تزال أخرى متمسكة بمعاييرها الصارمة فى مخاطر الائتمان، ما يقيّد قرار توسعها حتى الآن، في منح القروض الاستهلاكية والمقسّطة لغير الكويتيين.
وفي التفاصيل، قالت مصادر مصرفية مسؤولة، أنّ 3 بنوك على الأقل تخلّت قبل أيام عن سياستها المتشددة تجاه تمويل الوافدين والبدون، لتسمح بعودة تمويل الموظفين غير الكويتيين العاملين بالقطاع الخاص، مبينة أن أحد البنوك الثلاثة زاد من حدة منافسته برفع السقف التمويلي المقسط لغير الكويتيين إلى 70 ألف دينار، وبآجال سداد تصل 8 سنوات ومن دون كفيل حسبما درجت العادة المصرفية بالسنوات الأخيرة، ما دامت جهة العمل موثوقة مصرفياً.
وبذلك، أوقفت هذه البنوك سياستها الائتمانية التي كانت تحرم شريحة كبيرة من الوافدين والبدون العاملين في القطاع الخاص من الاقتراض، بحيث كانت تقصر نشاطها الائتماني خلال آخر 3 سنوات على الموظفين غير الكويتيين العاملين في القطاع الحكومي، وتحديداً المسكّنين بوظائف مستقرة يرجح استمرار الطلب عليها مستقبلاً.
سياسة مُتّبعة
ولفتت المصادر إلى أنّ انفتاح بعض البنوك على إقراض الوافدين و«البدون» العاملين بالقطاع الخاص مجدداً، يُعاكس السياسة المصرفية المتبعة محلياً منذ «كورونا»، والتي مالت خلالها جميع البنوك إلى اتباع النهج المتحفظ في منح القروض لغير الكويتيين، لاسيما العاملين في شركات، تفادياً للانكشاف على مخاطر التوسع بمعدل تعثر الأفراد، تأثراً بالمتغيّرات التي طرأت على سوق العمل منذ 3 سنوات تقريباً، وقادت إلى تقليص شريحة كبيرة من الشركات لعمالتها توفيراً المصاريف.
وذكرت المصادر أنّ البنوك التي قرّرت التوسع في تمويل الموظفين غير الكويتيين أقرّت شروطاً تيسيرية جديدة، تضمن استفادة مختلف الشرائح الوظيفية بالقطاع الخاص حتى متدنيي الأجور منهم.
وإلى ذلك، خفّضت هذه المصارف سقف الراتب المشروط للقرض الاستهلاكي من 500 دينار كحد أدنى إلى 300 دينار، كما قلّلت مدة العمل المطلوبة لتكون 4 أشهر كحد أدنى بدلاً من فترة تجاوزت في السابق سنة وأكثر، على أن تحدد قيمة القرض الاستهلاكي بحسب قيمة الراتب، ونسبة الاستقطاع المقرّرة وفقاً لتعليمات بنك الكويت المركزي.
قروض متنوّعة
أما بالنسبة لمعدلات القروض المقسطة التي بات مسموح بها، فهي متنوّعة وتختلف من وظيفة لأخرى، وبآجال سداد 8 سنوات، إذ أشارت المصادر من باب الاستدلال إلى رفع الحد الائتماني للأطباء العاملين بمرافق صحية تابعة للقطاع الخاص إلى 45 ضعف الراتب، وبحد أقصى 50 ألف دينار، فيما تسمح برفع سقف تمويلهم إلى 70 ألف دينار، إذا كان لدى العميل مكافأة نهاية خدمة تؤهله لذلك.
ونوهت المصادر إلى أنه بحسب اتجاهات صانعي السياسة الائتمانية الجديدة، فبإمكان العاملين في وظائف التمريض اقتراض 45 ضعف الراتب، وبحد أقصى 30 ألفاً، فيما تصل لأكثر من ذلك إذا تم تدعيم الطلب التمويلي بنهاية خدمة مناسبة.
وقالت المصادر إنّ من المتغيّرات الرئيسية التي طرأت أخيراً على سياسة بعض البنوك الائتمانية، رفع سقف إقراض الوافدين و«البدون» العاملين في القطاع الخاص إلى 20 ضعف الراتب، إذا كان الأخير ضمن دائرة الألف دينار، وفي حال زاد عن ذلك يُمكنه الحصول على قرض يصل 25 ألف دينار، وهو الحد الأعلى المسموح به رقابياً للقروض الاستهلاكية، على أن تُحدّد قيمته بحسب معدل الراتب، ومدى استيفاء العميل للشروط المقرّرة، وفي مقدمتها نسبة الاستقطاع المقررة.
خارج الحكومة
أما بخصوص الضوابط المصرفية المطبّقة حديثاً لإقراض الموظفين من خارج القطاع الحكومي، فأبرزها أن يكون العميل مستوفياً للشروط المقررة من الناظم الرقابي لجهة استحقاق القرض، وأن يكون موظفاً في شركة مدرجة في بورصة الكويت، أو بلائحة عملاء البنك، أو أنّها تتمتع باستقرار وكفاءة مالية مناسبتين.
ويتعيّن أن يتمتع العميل بسجل ائتماني خالٍ من التعثر، وبالطبع لا توجد عليه أحكام جنائية، أو أخرى مخلة للشروط للحدود التي تحرمه من الاقتراض.
وفي حال كان العميل من فئة «البدون» فيتعين عليه علاوة على ما سبق، تمتعه ببطاقة أمنية سارية الصلاحية، وبفترة مناسبة، أي أن لا تكون شارفت على الانتهاء.
وحول الأسباب المصرفية التي دفعت بنوك الانفتاح على إقراض الوافدين و«البدون» مجدداً، أوضحت المصادر أن هناك أكثر من اعتبار شجع العودة للسياسة الائتمانية المعمول بها قبل «كورونا» لعل أهمها:
1 – اتجاه البنوك نحو النمو بمحافظ قروضها للأغراض الاستهلاكية والمقسطة، تماشياً مع عودة الاستقرار النسبي في غالبية كيانات سوق العمل المحلية.
2 – تنامي حدة المنافسة مصرفياً على استقطاب العملاء الجدد، بعدما قاربت غالبية المحافظ خصوصاً الكبرى على التشبع من العملاء الكويتيين، نتيجة تركيزها عليهم الفترة الماضية، أو لارتفاع تكلفة الأموال بعد استخدامها محفزات استثنائية لعملاء النخبة، تضمّنت منحهم قروضاً مجانية بلغت40 الف دينار، والتي ارتفع سقفها من قبل أحد البنوك إلى 70 ألف دينار في بداية اشتعال المنافسة على إقراض الكويتيين العام الماضي.
3 – بعد تغيّر اتجاهات الفائدة منذ مارس الماضي وتتبّعها منحى صعودياً محلياً وعالمياً، تغيّرت قواعد البنوك في احتساب كلفة أموالها، ما تطلب وضع حدٍ للتنافس السخي، لتتحوّل الأنظار المصرفية أكثر إلى توسعة حصّتها السوقية من جميع العملاء المستحقين، مع الأخذ أكثر باعتبارات المخاطر الأساسية وليست الاستثنائية.
4 – تسعى البنوك عموماً للتوسّع فى مجال القروض الاستهلاكية والمقسطة، نتيجة وجود فائض سيولة مرتفع لديها، ومع ارتفاع معدلات الفائدة محلياً منذ مارس الماضي من 4.5 إلى 6 في المئة، مع ترجيح إمكانية زيادتها قريباً تحاول المصارف توظيف فوائض سيولتها قدر الإمكان.
أملاً في أن ينعكس ذلك على هوامش الأرباح الصافية التي يُمكن تحقيقها من ارتفاع الفائدة، وزيادة حصّتها السوقية بالنمو في محافظها بقروض الأشخاص عموماً.
5 – فيما لا تزال البنوك حريصة على إمعانها النظر في المخاطر غير المرئية البعيدة يرى صانعو السياسة الائتمانية ضرورة الانتقال ائتمانياً لإحداث تقييم مختلف لسياسة منح القروض، من خلال تبني توازن جديد بين المخاطر والرغبة بالنمو، بحيث يؤمنون بإمكانية تحقيق ذلك من خلال التخلي عن سياسة الإغلاق شبه الكلي أمام إقراض غير الكويتيين لانفتاح معزز بوسائل حمائية من شأنها الحفاظ على معدلات مخاطر مقبولة لإقراضهم.
6 – يزداد وهج قروض الأفراد في أعين البنوك خصوصاً الصغرى والمتوسطة لضعف قدرتها على منافسة البنوك الكبرى في سباق القروض التجارية بالكفاءة نفسها، فببساطة وبعيداً عن أي تعقيد فإن أي تحرّك للنمو بهذا القطاع يستلزم قبولها بهامش فائدة منخفض، وهو ما اضطرت بعص المصارف أخيراً لفعله حفاظاً على عملائها، وتحديداً من الشركات المليئة، بحيث قبلت إقراض بعض الكيانات بهامش ربحية ضيق، بلغ 1 في المئة فوق سعر الخصم.
7 – لا يعد سراً القول إنّ حتى البنوك الكبرى تكافح تشغيلياً منذ فترة في سوق التمويلات الكبرى، وهذا ما يؤكده بنك الكويت الوطني في تقرير نشره أخيراً، أشار خلاله إلى تباطؤ وتيرة إسناد المشاريع في الربع الثالث من 2022، إلى أدنى مستوى منذ 20 عاماً، إذ بلغ إجمالي قيمة المشاريع المسندة 49 مليون دينار، بتراجع 69 في المئة على أساس ربع سنوي مقابل 156 مليوناً الربع الثاني من العام الجاري.
وبحسب التقرير بلغ إجمالي قيمة المشاريع المسندة خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري 339 مليون دينار، أي أقل 63 في المئة مقارنة بالفترة المماثلة من 2021.
وما يستحق الإشارة إلى أنّ قطاعات البناء والتشييد والصناعة والنفط والغاز لم تشهد خلال الربع الثالث من 2022 إسناد مشاريع، بسبب ارتفاع معدلات التضخم، ما أدى إلى زيادة تكلفة المواد واستمرار التحديات التي تواجه سلاسل التوريد ونقص العمالة.
الكويتيون أرض معركة البنوك
في الوقت الذي تتوسع فيه بعض البنوك ائتمانياً تجاه العملاء الوافدين و«البدون»، لا تزال تركز على العملاء الكويتيين باعتبارهم أرض المعركة الحقيقيين بالنسبة للبنوك تشغيلياً، بعروض تمويلية ومزايا خاصة.
ولفتت المصادر إلى أن حرب الأسعار وسياسة القروض المجانية لا تناسب جميع البنوك، ما دفع بعضها لمحاولة النمو بحصتها من قروض الكويتيين من خلال منحهم مزاياً خاصة على بطاقاتهم المصرفية المختلفة، وتعويض عدم القدرة على المنافسة الكاملة بهذه المعركة بفتح باب محافظها أمام الوافدين والبدون.
وإلى ذلك، قالت المصادر إنّ تحرّك البنوك على التوسع ائتمانياً سيكون مرتكزاً على جميع العملاء، وبالقدر الذي يحقق نمواً صحياً في المحفظة، يحمي من مخاطر التركز.