بدأت البنوك المحلية أخيراً جولة جديدة من جذب كمية إضافية من الودائع مرتفعة التكلفة، لتقلب مع ذلك موازين المنافسة على الودائع لاسيما الحكومية، ما يؤكد أن 2022 سيغلق على أسعار تاريخية غير معتادة للفائدة محلياً منذ نحو 14 عاماً.
وفي هذا الخصوص، علمت «الراي» أن أحد البنوك التقليدية فاز أخيراً بوديعة طرحتها جهة حكومية لمدة عام بسعر يقارب 6 في المئة، وتحديداً 5.77 في المئة، فيما جاء ثاني أعلى سعر من آخر يعمل وفقاً للشريعة الإسلامية بواقع 5.65 في المئة، بينما سجل أقل سعر عند 4.125 في المئة.
وما يستحق الإشارة بهذا الشأن أن سعر إقراض الأفراد بعد زيادة سعر الخصم الأخيرة يبلغ 6.5 في المئة، ما يعني أن الهامش بين القروض والسعر الفائز ضيق جداً، وربما لا يغطي الكلفة التشغيلية.
وتظهر البيانات أن 10 بنوك محلية نافست على الوديعة الحكومية، بينها فرع لبنك أجنبي يعمل في الكويت، فيما غاب مصرفان كويتيان أحدهما تقليدي والثاني يعمل وفقاً للشريعة الإسلامية عن المشاركة.
اهتمام واسع
وقدمت 7 بنوك من المصارف المتنافسة أسعاراً بدأت بـ5 في المئة، وصولاً إلى السعر الفائز، فيما قدمت 3 بنوك أسعاراً أقل من 5 في المئة، ما يعكس اهتماماً واسعاً بالوديعة الحكومية.
وبخلاف البنوك الـ7 عرض بنكا «الوطني» وبيت التمويل الكويتي «بيتك» أقل أسعار بالمزايدة، وذلك بسقف تراوح بين 4.125 و4.254 في المئة، فيما قدم ثالث سعراً عند 4.75 في المئة.
وعموماً، يعكس حجم الإقبال المرتفع على هذه الوديعة الحكومية اهتماماً مصرفياً واسعاً بتعظيم سيولة الودائع التي تعتمد عليها غالبية البنوك المحلية كمصدر رئيس للتمويل.
ولعل ما يلفت الانتباه أكثر أن قيمة الوديعة تقارب 25 مليون دينار فقط، وهو مبلغ محدود لم يجر التقليد المصرفي على أن يحظى بمنافسة حادة مثلما حدث في شأنه، حيث شهدت الفترات السابقة منافسة مصرفية على ودائع حكومية عالية القيمة.
7 زيادات
وذكرت المصادر «يصح القول إن 2022 عام الفائدة الغالية، بعدما سجل زيادات متتالية بأسعارها وفي فترات قصيرة، وتحديداً منذ مارس الماضي، بواقع 7 مرات محلياً، ليقفز مع ذلك سعر الخصم من 1.5 في المئة إلى 3.5 في المئة، مضاف إليه هامش تحرك للبنوك بحد أقصى لإقراض الأفراد 3 في المئة، و4 في المئة للشركات».
ولعل ما يميز العام الجاري أيضاً، شهية البنوك المفتوحة منذ أشهر على استقطاب مستويات إضافية من أموال الودائع بغض النظر عن التكلفة المرتفعة، سواء المتدفقة من الجهات الحكومية أو الشركات أو الأفراد، للدرجة التي قبلت فيها بعض البنوك بتعادل هامش فائدتها للقروض، والودائع.
تكلفة عالية
وبفضل ما تقدم يكون السؤال مشروعاً، لماذا تتنافس البنوك المحلية على استقطاب مزيد من الودائع بتكلفة عالية؟
مصرفياً، هناك أكثر من سبب يفك شيفرة سر اشتعال المنافسة المصرفية بهذا الخصوص، والتي يمكن طرح أبرزها في التالي:
1 معلوم أنه في نهاية كل عام يسعى مسؤولو الخزينة في البنوك إلى تجميل بيانات السيولة، بتعزيز مراكز بنوكهم، وهو أمر معتاد حتى لدى مديري الصناديق الاستثمارية والشركات وغيرها التي تفضل أن تظهر إغلاقاتها للعام وجود مراكز مالية قوية، وإن لم يفلحوا في ذلك فأقله تعكس استقراراً.
2 رغم أن الأسعار العالية للودائع تضيّق هامش الفائدة المسجلة بين محفظتي القروض والودائع، فهذا لا يعني أن البنوك المتنافسة تواجه إشكالية سيولة، حيث معلوم أن جميع المصارف المحلية تتمتع بمستويات عالية من الأموال، إلا أن ترتيب سلم الاستحقاقات يحتاج أحياناً إلى القبول بدفع كلفة أعلى.
3 لا يعد سراً القول إن تسعير ودائع الدولار أحد مؤشرات البنوك في تحديد منحنى العائد على الأموال بالدينار، أخذاً بالاعتبار أن تسعير ودائع الدولار سجل في الفترة الأخيرة صعوداً ملموساً.
4 برامج البنوك لتأمين الودائع بشكل إيجابي تختلف من مصرف لآخر، ولذلك يلحظ أن تصميمها وتنفيذها يختلفان من بنك إلى آخر، لكنها تتلاقى جميعاً على اعتبار تعزيز الحفاظ على العملاء، وعدم السماح بأن تكون الهجرة العكسية للعملاء بسبب الأسعار العالية التي تقدمها بنوك أخرى.
5 تعكس المنافسة الحادة على الودائع بين محركاتها إستراتيجية تتضمن المراهنة على بوادر نمو جيّد للائتمان، وزيادة حصة تمويل المشاريع الحكومية الكبرى، ما يتطلب رفع رصيد الودائع كمصدر رئيس للتمويل.
6 من المرتقب أن يعقد مجلس الاحتياطي الفيديرالي الأميركي اجتماعاً الأربعاء المقبل، حيث يرجح خلاله رفع الفائدة نصف في المئة، ما يزيد المراهنة على احتمال رفع بنك الكويت المركزي في وقت لاحق لأسعار الخصم ولو بمعدل أقل وفقاً لسياسته النقدية التدريجية بخصوص تحديد اتجاهات الفائدة محلياً، ومن ثم تعد الأسعار العالية المقدمة على الوديعة الحكومية الأخيرة خطوة مبكرة لأسعار ستعمم قريباً.
7 بالنسبة لمشاركة فرع البنك الأجنبي في الكويت، فقد يكون يسعى إلى تغطية متطلباته الائتمانية بالعملة المحلية إضافة إلى ما سبق أو أقله غالبيته.