ألقت الأزمة السياسية في إيطاليا بظلالها على الأسواق العالمية وأقلقت المستثمرين؛ ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، سجل سوق الأسهم خسائر واندفع المستثمرون نحو العوائد المرتفعة للسندات.
ووفقاً لتقرير نشرته «سي إن إن» لا تزال هناك صعوبة في تشكيل حكومة جديدة في إيطاليا، الأمر الذي يقود نحو عقد انتخابات مبكّرة على الأرجح في نهاية يوليو، لكن تخشى الأسواق أن تكون هذه الانتخابات بمنزلة استفتاء على التزامات روما حيال منطقة اليورو، فما تأثير هذه الأزمة في الأسواق؟
زادت الأسهم الإيطالية خسائرها خلال جلسة الثلاثاء الماضي، حيث هبطت بحوالي %3 وتأثرت سلبا بأسهم القطاع المصرفي وتعرّضت بعض الأسهم لخسائر بأكثر من %5.
وأعرب بعض المستثمرين عن قلقهم من أن تتسبّب التقلبات السياسية في إيطاليا في تفشّي الأزمة إلى خارج الحدود، وظهر ذلك جليا في ارتفاع عوائد السندات الأسبانية والبرتغالية.
وانخفضت الأسهم الأميركية خلال تداولات الثلاثاء الماضي وزادت خسائرها خلال الجلسة ليهبط «داو جونز» بأكثر من %2، أو ما يعادل حوالي 475 نقطة قبل أن يغلق على تراجع قدره 391 نقطة.
وتتجه إيطاليا نحو عقد انتخابات مبكرة بعد أن فشل الساسة في تشكيل حكومة جديدة، وتنذر الانتخابات بصعود أحزاب يمينية مناهضة لليورو.
ويخشى محللون من سيناريو إمكانية خروج إيطاليا من الاتحاد الأوروبي وظهور مصطلح «إيطاليكست» على غرار «بريكست» أو «كويطالي».
وتكمن الخطورة الكبرى في توقّف الساسة الإيطاليين عن الالتزام بقواعد منطقة اليورو أو الاتحاد الأوروبي.
وقال الخبير الاقتصادي لدى بيرينبيرغ بنك إن وقوع أزمة حقيقية في منطقة اليورو يمكن أن يصبح أسوأ السيناريوهات الناجمة عن الأزمة في إيطاليا.
وتمتلك إيطاليا ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو وتشكل حوالي %15 من الناتج المحلي الإجمالي لتكتل العملة الموحدة؛ أي ما يزيد كثيرا على اليونان التي شكلت آخر مصدر للأزمة بمنطقة اليورو.
ومن غير الواضح بعد مدى استحواذ الأحزاب الشعبوية على حصص في الانتخابات المرتقبة، ولكن محللين يرجحون عدم تخلّي إيطاليا عن استخدام اليورو.
ومع ذلك، فإن الزيادة المحتملة في الإنفاق المخطط من جانب الحكومة الجديدة في إيطاليا يمكن أن تتسبّب في تفاقم التقلّبات في الأسواق.
في ضوء ذلك، تسبّبت سنوات من ضعف الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية في ارتفاع الدين الحكومي في إيطاليا أعلى تريليوني يورو، أي ما يعادل أكثر من %130 من الناتج الاقتصادي السنوي، وهو ثالث أعلى مستوى للمديونية في العالم بعد اليابان واليونان.
وكانت وكالة موديز حذّرت الجمعة الماضي من احتمالية خفض التصنيف الائتماني للديون الحكومية الإيطالية إلى درجة غير استثمارية (خردة) لأن خطط الأحزاب الشعبوية بشأن الإنفاق ستضعف الموقف المالي لروما وتقوض إصلاحاتها الاقتصادية.
ويمتلك الإيطاليون غالبية الديون الحكومية، ولكن البنك المركزي الأوروبي يمتلك جزءا كبيرا أيضا، بالإضافة إلى بنوك ومستثمرين من ألمانيا وفرنسا وأسبانيا ولكسمبورغ، وهو ما يعني إمكانية تفشّي الأزمة في منطقة اليورو.
مستقبل مجهول
وربما يتوقّف الشعبويون عن التصريحات بعقد استفتاء محتمل حول بقاء أو مغادرة إيطاليا من منطقة اليورو أو الاتحاد الأوروبي.
ويرى محللون أن غالبية الناخبين في إيطاليا غير سعداء بالوضع السياسي الراهن، لكنهم بالطبع لا يريدون مغادرة اليورو.
مع ذلك، لا يزال كثير من المستثمرين قلقين بخصوص منطقة اليورو التي تضررت بالفعل من أزمة الديون التي تفشّت في عدة اقتصادات بها، فضلا عن المستقبل السياسي المجهول في روما.
يونان أخرى أكبر بكثير
بعد مرور حوالي عشر سنوات من أزمة الديون اليونانية التي عصفت بمنطقة اليورو والأسواق العالمية، تأتي التقلبات السياسية في إيطاليا لتجدد المخاوف بخصوص مستقبل النظام المالي الأوروبي وعملته الموحدة، لكن هذه المرة، الأرقام أكبر بكثير.
ووفق تقرير نشرته «سي إن بي سي»، يفوق الاقتصاد الإيطالي عشرة أضعاف حجم نظيره اليوناني الذي أضر منطقة اليورو بأزمة الديون، وبالتالي، لو جاءت الأزمة من روما، ستكون الأزمة أكبر بكثير، ربما لا تنجو منها المنطقة.
ويقدر حجم الديون الحكومية الإيطالية بحوالي 2.4 تريليون دولار، في حين تصل مديونية اليونان إلى 507 مليارات دولار.
وحذّر البنك المركزي الإيطالي من فقدان ثقة الأسواق والمستثمرين في الاقتصاد جراء عدم اليقين السياسي.
وأفاد خبراء في ألمانيا بأن الأضرار التي لحقت بسوق الأسهم والسندات في إيطاليا ربما تدفع ذلك الناخبين بعيدا عن اختيار الأحزاب الشعبوية التي تبعث برسائل سلبية للأسواق.
ولم تعلّق إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على التقلّبات السياسية في إيطاليا، لكن البيت الأبيض لا يزال يهدد أوروبا برسوم على صادرات دول التكتل الموحد من الألمنيوم والصلب، وبالتالي، تتجه الأمور نحو الأسوأ، وهو آخر ما يمكن أن تحتاجه روما في هذا الوقت.