قالت CNBC في تقرير لها إنه لطالما أطلق على الكويت اسم «العملاق الخليجي النائم»، والمقصود من التعبير ليس إطراء. فالكويت لم تبذل سوى القليل في سبيل جذب الاستثمارات الأجنبية، مع ذلك، قد تتغير هذه السمعة.
وجاء في التقرير أيضاً ما يلي: إذ تعمل بورصة الكويت على ترقية مركزها لتصبح في مصاف الأسواق الناشئة في اثنين من المؤشرات الرئيسية في العالم، وستكون ترقيتها بمنزلة إعادة تصنيف مهمة في عالم المستثمرين. تعتبر صناديق المؤشرات التي تتعقب مؤشرات الأسواق الناشئة، وأصول الصناديق النشطة قياساً بمؤشرات الأسواق الناشئة، أكبر حجماً وشعبية من محافظ الأسواق شبه الناشئة.
هناك 30 صندوقاً متداولاً في البورصة يتتبع معايير الأسواق الناشئة، فيما تبلغ أصول أكبر ثلاثة صناديق من المؤشرات المتداولة التي تتعقب مؤشري فوتسي وMSCI للاسواق الناشئة 135 مليار دولار، إضافة إلى وجود صندوقين اثنين من صناديق المؤشرات المتداولة، اللذين تبلغ أصولهما قرابة 600 مليون دولار، أما الكويت فتتمتع بأعلى وزن في مؤشري فوتسي وMSCI للأسواق شبه الناشئة، حيث تصل إلى أكثر من %19 و%21 على التوالي.
في يونيو، قالت شركة مورغان ستانلي إنها ستضع بورصة الكويت قيد المراجعة تمهيداً لإمكانية إعادة تصنيفها من سوق شبه ناشئة إلى سوق ناشئة بحلول عام 2019، كما أعلنت شركة فوتسي راسل أنها ستبدأ في شهر سبتمبر المقبل إعادة تصنيف الكويت إلى سوق ناشئة ثانوية.
وهذه الخطوات المتمثلة بترقية بورصة الكويت قد تدر عليها مليارات الدولارات من استثمارات، للمرة الأولى على إثر انكشافها على المستثمرين في الأسواق الناشئة، الأمر الذي سيضطرهم إلى شراء الأسهم الكويتية، ويظهر تاريخ السوق أنه على المدى القصير على الأقل، قد تشهد الأسهم زخماً على خلفية إعادة تصنيف البورصة.
وفي ما يلي بعض الأمثلة الأخيرة، إذ شهدت سوقا الأرجنتين والسعودية نتائج مماثلة بعد إعادة تصنيفهما الذي بدأ العام الماضي، ونجم عنه ترقية رسمية في يونيو، وكان سوق «تداول» السعودية احدى أفضل الأسواق أداءً في العالم أثناء تلك العملية، وتفوق على معظم الأسواق الأخرى هذا العام أيضاً، على الرغم من وجود أسباب عديدة لذلك منها ارتفاع أسعار النفط بقوة، والإصلاحات الاقتصادية التي حض عليها ولي العهد وساهمت بتعزيز ثقة المستثمرين، أما أسهم سوق الأرجنتين ورغم معاناتها مؤخراً إلا أن أداءها كان قوياً في 2017، حيث حلت في المرتبة الأولى في العالم في السنة الماضية.
يقول كريستيان كوتس أولريشسين، الزميل في قسم الشرق الأوسط في معهد بيكر في جامعة رايس، إن السوق الكويتية تعد أقدم بورصة في منطقة الخليج، والعديد من الشركات التي تتداول فيها متعددة الجنسيات في نطاقها وسوف تستفيد إلى حد كبير من إعادة التصنيف.
وارتفع حجم التداول وحركة سعر الأسهم الكويتية في 2018، فضلا عن أن بعض أكبر الأسهم المدرجة في بورصة الكويت كان أداؤها قويا في مؤشرات الأسواق شبه الناشئة، من ضمنها أسهم بيت التمويل الكويتي وزين، الذين ارتفعا بمعدل %13 و%26 على التوالي خلال شهري يونيو ويوليو.
وساهم صغر حجم السوق نسبيا بالعموم وسيولته المحدودة في صعود أسعار الأسهم منذ الإعلان عن إمكانية ترقية سوق الكويت.
الحاجة للتغيير
على غرار الكثير من الاقتصادات الأخرى في منطقة الشرق الأوسط، يعتمد الاقتصاد الكويتي بشكل كبير على صادرات النفط، خاصة أن البلاد تهيمن على %6 من احتياطيات النفط الخام في العالم، أو ما يعادل اكثر من 100 مليار برميل. بالإضافة إلى ذلك، تتمتع الكويت بأعلى نسبة من الناتج المحلي الاجمالي مرتبطة بالنفط بين دول «أوبك»، ويشكل النفط %92 من ايرادات صادرات النفط و%90 من دخل الحكومة.
ومن المتوقع أن ينمو القطاع الخاص بين %3.5 و%4 بين عامي 2018 و2021، لكن الافتقار الى تنوع الاقتصاد يجعل من الصعب على الشركات ايجاد موظفين وردم الفجوة الشاسعة بين موظفي القطاعين الخاص (%36) والحكومي (%74). وفي اطار توزيع الثروات في البلاد، تعد الوظيفة الحكومية مضمونة للمواطنين، بينما يشكل الوافدون معظم موظفي القطاع الخاص.
وكما هي الحالة في السعودية، أطلقت الحكومة الكويتية خطة واسعة تتعلق بالتنمية الاقتصادية بعيدا عن النفط تتمثل برؤية الكويت 2035 التي تهدف الى زيادة معدلات الاستثمار الأجنبي المباشر وتبسيط العملية على الشركات الأجنبية التي تسعى الى فتح نشاط تجاري في الكويت. وضمن هذا النطاق، أقدمت بورصة الكويت أيضا على تغييرات مؤخرا لتشجيع المزيد من الشركات على الإدراج والاستثمار.
النفط والناتج المحلي
في السابق، كان من الصعب على المستثمر الأجنبي الحصول على ترخيص تجاري، عدا عن الانتظار لمدة 60 يوماً كمعدل وسطي، وهو ما انخفض إلى ثلاثة أيام في عام 2015، كما انخفضت تكاليف التراخيص. حالياً، يستطيع المستثمرون الأجانب تملك 100في المئة من أسهم الشركات التي يؤسسونها في الكويت، والحصول على إعفاء من ضرائب الدخل لمدة تصل إلى 10 سنوات. وقد حفزّت هذه التغييرات على ارتفاع نشاط القطاع الخاص.
تقول مديرة الأبحاث في مركز الشرق الأوسط في كلية لندن للعلوم الاقتصادية صوفي أوليفر – إليس: «إن رؤية الكويت 2035 واعدة، في حين أن القطاع الخاص اليوم يقود عملية التحول نحو اقتصاد غير نفطي»، مضيفة أن القطاع العام يعهد بنحو 90 في المئة من مشاريع التنمية، بينما تحاول الدولة تقليص هذا الدور بنسبة 30 إلى 40 في المئة.
سياسياً، تواجه الكويت تحدياً فريداً قياساً بالدول الخليجية الأخرى في مسعاها نحو تنويع اقتصادها، يتمثل بمجلس أمة فاعل، اعترض في الماضي سبيل مبادرات ومشروعات رئيسية في مجالي البنية التحتية والطاقة التي كان من المرتقب أن تحدّث القاعدة الاقتصادية الحالية في الكويت وتوسعها. في هذا الصدد، يقول كوتس إن التحدي السياسي للإصلاح الاقتصادي غير متوافر في دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، مشيراً إلى أن البلاد لا تزال تتعافى من الشلل السياسي الذي عصف بها بين عامي 2006 و2012. ويرى أن ما حدث أضر كثيراً بصورة الكويت أمام المستثمر الدولي، في حين أن استعادة الثقة المفقودة بين المستثمرين بخصوص الضغوط لا تزال تشكل أمراً مقلقاً.
ومن شأن تحول الكويت نحو اقتصاد أكثر توازناً أن يخفف تقلب السوق، فالتغيرات الدراماتيكية التي صاحبت أسعار النفط تؤدي إلى تقلبات كبيرة في اقتصادها. حتى في ظل تعافي أسعار النفط أخيراً، من المتوقع أن تشهد البلاد عجز ميزانية آخر في السنة المالية 2018 و2019، يقدر بـ21 مليار دولار، أي حوالي 17.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو رابع عجز سنوي على التوالي. واضطرت الحكومة إلى تمويل عجوزاتها الأخيرة من احتياطيات الدولة وطرح السندات.
يقول كوتس: «إنفاق الحكومة مرتبط بشكل كبير بإيرادات النفط، لهذا فإن سلامة القطاع الحكومي ترتبط بشكل كبير بهبوط وارتفاع أسعار النفط».
أما بالنسبة لإيرادات الدولة المقدرة بنحو 49.5 مليار دولار، فهي أقل من مستوى الإنفاق المتوقع والبالغ 71 مليار دولار. وانتقد كثيرون فشل الحكومة في تنويع اقتصادها وقرارها زيادة الإيرادات خلال سنوات عجزها عن طريق رفع رسوم الكهرباء والماء.
تقول صوفي: «علينا أن ننتظر لنرى مدى نجاح خطط الحكومة لأن التنويع في مراحله الأولى».
بحسب وكالة التصنيف الائتماني (موديز)، كانت الكويت أبطأ من نظيراتها في المنطقة في تطوير وتنمية قطاعها الخاص غير النفطي، لكن صوفي لديها وجهة نظر مختلفة، إذ ترى أن خطة تحرير الاقتصاد للبلاد لا تختلف كثيراً عن الجهود المبذولة في المملكة العربية السعودية التي يشكل عدد سكانها الأكبر ضغطاً أعلى لتسريع جهود التنويع، لكن إذا لم تمضِ الكويت قدماً نحو تنويع اقتصادها، فلن تكون قادرة على المنافسة في القرن الحادي والعشرين.